اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فلاجهم وسهل مخرجهم والعن اعدائهم ليوم الدين
ماهي حقيقة مصحف فاطمة (ع) ؟
إن مصحف فاطمة (ع) هو مصطلح متداول بين الفريقين.. ولكن البعض يقوم بالتشهير، والكلام الذي لا يستند لأي منطق علمي، ويحاول التموّيه على الآخرين بهذا المصطلح.. فهذه الكلمة متداولة بين الجميع، والمعني منها بين العوام هو القرآن الكريم.. والحال بأن المعنى الإصطلاحي لكلمة المصحف: هو جامع الكتب، أي الذي يضم بين دفتيه مجموعة من الأوراق، سواء كانت المضامين صحيحة، أو كانت باطلة، فكلمة المصحف بمثابة الكتاب.. والكتاب في حد نفسه ليس لفظاً مقدساً، إنما هو لفظ جامع لمعانٍ مختلفة.. فكتاب الله عز وجل يسمى مصحفاً، وكذلك يطلق عليه اسم كتاب، فهو كتاب من الله عز وجل.
فمصحف فاطمة صلوات الله وسلامه عليها، كان عبارة عن مجموعة من الكتابات بين جلدتين.. فإذاً ليس هناك أي دليل على وجود مصحف لفاطمة الزهراء عليها السلام، إضافةً أو بدلاً من مصحف المسلمين أبداً.. فالله تعالى يقول في كتابه الكريم: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}؛ فمن خلال هذه الآية نجد أن هناك وعدا إلهياً بحفظ القرآن الكريم، ولم يقيده بزمان دون زمان.. ومعنى ذلك أن هذا القرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولو كان في هذا القرآن أي زيادة أو نقصان، لم يمكن الإستدلال به.. إنما يتم التمسك بالقرآن بظهور آياته، من باب أن القرآن ظاهره يفسر بعضه بعضاً، وعامّه يقيّد خاصه، ومطلقه يقيد مقيده.. وحتى أئمة الهدى عليهم السلام في مقام الإستدلال، تمسكوا بالقرآن الكريم في ظواهره، وهذه سنة علمائنا طوال التأريخ، ودأبهم التمسك بآيات الكتاب الكريم في الأبواب الفقهية المختلفة.
فمصحف فاطمة عليها السلام لم يكن قرآناً، وهذا التعبير قد ورد عن المعصومين عليهم السلام: (والله ما فـيه من قرآنكم حرف واحد)، وهو ليس في مقابل القرآن الكريم.. وإنما هو كتاب، كان في يد مولاتنا فاطمة صلوات الله وسلامه عليها.. حيث أنه بعد وفاة أبيها المصطفى صلى الله عليه وآله، دخل عليها من الحزن والغم، ما لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى؛ فأنزل الله تعالى عليها مَلكاً.. والملائكة هم الواسطة طوال التأريخ في حياة الأنبياء عليهم السلام وغير الأنبياء، فقد أوحى الله إلى أم موسى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ}، وكذلك قد أوحى إلى السيدة مريم عليها السلام: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا}.
فهذه قضية متعارفة من قضايا القرآن الكريم، أن يبعث الله عز وجل المعلومات والأوامر من خلال مَلَك من الملائكة.. فـلو فـرضنا أن ذلك الملك هو جبرئـيـل، فالقدر المسلَّم أن جبرئيل لا ينزل على غير الأنبياء في الرسالات.. أما إذا كان لله عز وجل توصية معينة إلى وليَّة من أولياء الله، كمولاتنا فاطمة صلوات الله عليها، فإذا جاء جبرئيل، وقال: إن الله عز وجل يبشركِ بكذا وكذا.. فهل هذا يصادم أصلاً عـقـلياً أو نصاً قرآنياً؟.. فالنبي صلّى الله عليه وآله قال: (لا نبي بعدي).. فالملك جبرئيل لا ينزل بالتشريع أو بالرسالة، وليس هناك ما يمنع أن ينزل جبرئيل بوصية من الوصايا، على إمام معصوم بعد النبي صلّى الله عليه وآله وسلم.
فمصحف فاطمة الزهراء صلوات الله عليها، هو عبارة عن معلومات مستقبلية على ما سيجري على هذه الأمة.. وهذا من الله عز وجل، بإلهام من المَلك، وكتابة من أمير المؤمنين علي صلوات الله وسلامه عليه.. فإذا كان الأمر كذلك، فلا إشكال في هذه المقولة، ولا ينبغي أن يستنكر عند السماع بمصحف فاطمة.. فالمصحف عبارة عن لفظة مشتركة، تطلق على أي مكتوب بين جلدين، وليس للمعصومين -صلوات الله وسلامه عليهم- كتاب في مقابل القرآن الكريم.. فلو كان لهم هذا الأمر؛ لأُخذ عليهم من قبل طواغيت عصرهم.
ولو أن الإمام الصادق عليه السلام له كتاب في السر، وقرآن زيادة عن هذا القرآن؛ لما لجأ الخصوم لإعتقالهم، وسمّهم، ونفيهم، وإبعادهم، وإيقاعهم بالسجون.. فيكفي أن يصدر مرسوم من خليفة المسلمين، بكفر من يعتقد بأن هناك قرآنا آخر.. وكما هو معلوم بأن هناك طبقة من المسلمين، قالت بخلق أو بحدوث القرآن، وقد حصل ما حصل من القتل والتعذيب.. فكيف بمن يقول بأن هناك مصحفا بمقابل القرآن الكريم؟.. فلو كان هذا الأمر في حياة أئمتنا عليهم السلام؛ لاشتهر أمره، ولكانت هناك رغبة من الخصوم على الترويج لهذه المقولة.
فأئمة الهدى كانوا في مواقف عديدة، يحاولون بكل جهدهم تثبيت هذا الأمر.. فالإمام علي عليه السلام كان متهما بدم عثمان، فلو كان (ع) له دعاوي، بأن هناك قرآناً زائداً أو ناقصاً أو محرّفاً؛ لكانت هذه التهمة أكثر تأثيراً في إسقاط علي -صلوات الله عليه- من عيون الناس، ولكانت أكبر تهمة يمكن أن يستعملها معاوية وغيره ضد الإمام (ع).. فهذا المعنى لم يتفق أبداً.
فإذن، إن مصحف فاطمة كما قلنا: هو كتاب علمي، فيه إخبار بأخبار المستقبل، وبإلهام من الله عز وجل.. وإن كان ملهمه ملك خاص باسم معين، فهذا ليس بالأمر المهم.. ويجب أن يعلم ذلك، من يجهل هذه المعاني.. وأما من هو ليس بجاهل، إنما هو بمكابر ومعاند، فالأفضل أن نوكل أمره إلى ربه، ليحاسبه حساباً عسيراً يوم القيامة، إذا وضعت الموازين القسط، وإلا فهذه رواياتنا ومنطقنا لا غبار عليه.