علم الحروف عند الامام علي
لم يكن من السهل تفسير هذا الرمز العميق في قول الإمام علي (عليه السلام) وقد حاولت فك رمزه، فقلت : كما أن حرف الباء إذا تجرد من نقطته لم يعد له أي معنى لأنه خرج عن كونه حرفاً ، إذ النقطة  هي التي تعطيه مدلوله ومعناه ، فكذلك الإمام علي (عليه السلام) فهو الذي يعطي القرآن مدلوله ومعناه، فهو بالنسبة للقرآن كالنقطة بالنسبة للباء ... وقد عبر الإمام (عليه السلام) بنفسه عن العترة كلها في قوله هذا، فيكون مقصودة العام من قوله : إن القرآن بدون الفترة يفقد كل مقاصده ومعانيه ، لأنهم هم أهله الذين اختصوا بحمل علومه ، وهم الذين أوكل الله إليهم أمر حفظه ، وحفظ كل ما فيه من علوم وأسرار لا تحصى.
ولا عجب بعد ذلك أن يقول الإمام علي (عليه السلام) كلمته التي لم يقلها أحد في زمانه ولا بعده، وهي قوله : "سلوني قبل أن تفقدوني".
روي الصدوق في (الأمالي) عن الأصبغ بن نباتة ، قال : لما جلس علي (عليه السلام) في الخلافة وبايعه الناس، خرج إلى المسجد متعمماً بعمامة رسول الله (صلى الله عليه واله) ، منتعلاً نعله، متقلداً سيفه. فصعد المنبر، فجلس عليه متكئاً، ثم شبك بين أصابعه فوضعها أسفل بطنه ، ثم قال :
"يا معاشر الناس ، سلوني قبل أن تفقدوني. هذا سفط العلم ، هذا لعاب رسول الله ، هذا ما زقني رسول الله زقاً . سلوني فإن عندي علم الأولين والآخرين . أما لو ثنيت لي الوسادة فجلست عليها ، لأفنيت أهل التوراة بتوراتهم ، حتى تنطق التوراة فنقول : صدق علي ما كذب ، لقد أفتاكم بما أنزل الله في . وأفنيت أهل الإنجيل بإنجليهم، حتى ينطق الإنجيل فيقول : صدق علي ما كذب ، لقد أفتاكم بما أنزل الله في . وأفنيت أهل القرآن بقرآنهم حتى ينطق القرآن فيقول : صدق علي ما كذب، لقد أفتاكم بما أنزل الله في. وأنتم تتلون القرآن ليلاً ونهاراً، فهل فيكم أحد يعلم ما أنزل فيه؟ ولولا آية في كتاب الله عزوجل، لأخبرتكم بما كان وبما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة، وهي هذه الآية : {يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب}.
ثم قال (عليه السلام) : "سلوني قبل أن تفقدوني ، فو الذي فلق الحبة وبرأ النسمة، لو سألتموني عن آية آية، في ليل أنزلت أو في نهار، مكيها ومدنيها، وسفريها وحضريها ، وناسخها ومنسوخها، ومحكمها ومتشابهها ، وتأويلها وتنزيلها، لأخبرتكم".
هذا وإن المقصود بالعترة الطاهرة في زمن النبي (صلى الله عليه واله) خمسة أشخاص لا الملعونون واحداً ولا ينقصون ، وهم أصحاب الكساء : (محمد ــ علي ــ فاطمة ــ حسن ــ حسين) وهم الذين نزل فيهم قوله تعالى :
{إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } [الأحزاب : 33] تأكيداً على تطهيرهم من الرجس وهو الذنب، وعصمتهم عن الخطأ. وهم نفسهم الذين بأهل بهم النبي (صلى الله عليه واله) نصارى نجران ، وذلك في قوله تعالى : {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ } [آل عمران : 61].
أقول : وإذا لاحظنا أن عدد حروف البسملة هو (19) حرفاً، وجدنا أن العلاقة العميقة بين البسملة والعترة لا يقتصر على ما ذكرنا، بل إنها تتعداها إلى المعجزة العددية. فإن عدد حروف العترة الخمسة هو أيضاً (19) حرفاً.
(م ح م د ــ ع ل ي ــ ف ا ط م ة ــ ح س ن ــ ح س ي ن) وهو عدد له شأن كبير عند الله تعالى.
فكما يتحفظ المؤمن بذكر آية البسملة من الجنة والشياطين ومن كل سوء ومكروه ، فكذلك يتحفظ بذكر أسمائهم في كل ضيق وخطر، فيفرج الله عنه السوء ، ويكشف عنه الغم بقدرته تعالى .
للك لا يأخذنا العجب إذا قرأنا في الأخبار أن الأنبياء (عليه السلام) كانوا يعلمون أسماء هؤلاء الخمسة ، وأنهم كانوا إذا أصابهم خطر أو ضيق ، أو هم أو غم ، يذكرون أسماءهم المقدسة ، فيكشف الله عنهم ما هم فيه .. وأصدق برهان دامغ على ذلك ، اللوح الخشبي اكتشفته حديثاً بعثة روسية