وفي أسرار أمير المؤمنين عليه السلام أنه لما ولد في البيت الحرام ، وكعبة المسلك العلام ، خر ساجدا ثم رفع رأسه الشريف فأذن ، وأقام وشهد لله بالوحدانية ، وبمحمد صلى الله عليه وآله بالرسالة ولنفسه بالخلافة والولاية ، ثم أشار إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : أقرأ يا رسول الله ؟ فقال : نعم ، فابتدأ بصحف آدم فقرأها حتى لو حضر شيت لأقر أنه أعلم بها منه ، ثم تلا صحف نوح وصحف إبراهيم والتوراة والإنجيل ، ثم تلا ( قد أفلح المؤمنون ) ( 1 ) فقال له النبي : نعم . أفلحوا إذ أنت إمامهم . ثم خاطبه بما خاطب به الأنبياء الأوصياء ، ثم سكت ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله : عد إلى طفولتك فامسك ( 2 ) . ومن كراماته التي لا تحد وفضائله التي لا تعد : أن راهب اليمامة الأثرم كان يبشر أبا طالب عليه السلام بقدوم علي ع ويقول له : سيولد لك ولد يكون سيد أهل زمانه ، وهو الناموس الأكبر ، ويكون لنبي زمانه عضدا وناصرا وصهرا ووزيرا ، وإني لا أدرك أيامه فإذا رأيته فاقرأه مني السلام ، ويوشك أني أراه ، فلما ولد أمير المؤمنين عليه السلام مر أبو طالب عليه السلام عليه ليعلمه فوجده قد مات ، فرجع إلى أمير المؤمنين عليه السلام فأخذه وقبله فسلم عليه أمير المؤمنين وقال : أبتي جئت من عند الراهب الأثرم الذي كان يبشرك بي وقص عليه قصة الراهب ، فقال له أبو عبد مناف : صدقت يا ولي الله ( 3 ) . ومن ذاك ما رواه محمد بن سنان قال : بينما أمير المؤمنين عليه السلام يجهز أصحابه إلى قتال معاوية إذ اختصم إليه اثنان ، فلغى أحدهما في الكلام فقال له : اخسأ يا كلب ، فعوى الرجل لوقته وصار كلبا ، فبهت من حوله ، وجعل الرجل يتضرع إلى أمير المؤمنين عليه السلام ويشير بإصبعه فنظر إليه وحرك شفته فإذا هو بشر سوي ، فقام إليه بعض أصحابه وقال مالك : أن جهز الناس إلى قتال معاوية ولك مثل هذه القدرة ؟ فقال : والذي فلق الحبة ، وبرأ النسمة ، لو شئت أن أضرب برجلي هذه القصيرة بهذه الفلوات حتى أضرب بها صدر معاوية فأقلبه عن سريره لفعلت ، ولكن بل عباد مكرمون * لا ‹ صفحة 116 › يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون ( 1 ) . ومن ذلك قوله لمروان بن الحكم يوم الجمل وقد بايعه : خفت يا ابن الحكم أن ترى رأسك في هذه البقعة ، كلا لا يكون ذلك حتى يكون من صلبك طواغيت يملكون هذه الأمة ( 2 ) . ومن ذلك كلامه في كربلاء وهو التوجه إلى صفين فقال : صبرا أبا عبد الله بشاطي الفرات ثم بكى ، وقال : هذا والله مناخ القوم ومحط رحالهم ( 3 ) . ومن ذلك قوله بصفين وقد سمع الغوغاء يقولون : قتل معاوية ، فقال : ما قتل ولا يقتل حتى تجتمع عليه الأمة ( 4 ) . ومن ذلك ما رواه القاضي ابن شاذان عن أبان بن تغلب عن الصادق عليه السلام قال : كان أمير المؤمنين على منبر الكوفة يخطب وحوله الناس فجاء ثعبان ينفخ في الناس وهم يتحاودون عنه ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : ( وسعوا له ) فأقبل حتى رقى المنبر والناس ينظرون إليه ، ثم قبل أقدام أمير المؤمنين عليه السلام وجعل يتمرغ عليها ، ونفخ ثلاث نفخات ، ثم نزل وأنساب ، ولم يقطع أمير المؤمنين عليه السلام خطبه ، فسألوه عن ذلك فقال : هذا رجل من الجن ذكر أن ولده قتله رجل من الأنصار اسمه جابر ابن سبيع عند خفان ( 5 ) من غير أن يتعرض له بسوء وقد استوهبت دم ولده . فقام إليه رجل طوال بين الناس وقال : أنا الرجل الذي قتلت الحية في المكان المشار إليه ، وإني منذ قتلتها لا أقدر أن أستقر في مكان من الصياح والصراخ فهربت إلى الجامع ، وأنا منذ سبع ليال هاهنا . فقال أمير المؤمنين عليه السلام : خذ جملك واعقره في مكان قتل الحية وامض لا بأس عليك ( 6 ) . ومن كرامته عليه السلام قوله : إن الله أعطاني ما لم يعط أحدا من خلقه ، فتحت لي السبل ، وعلمت الأسباب والأنساب ، وأجرى لي السحاب ، ولقد نظرت في الملكوت فما غاب عني شئ مما كان قبلي ، ولا شئ مما يأتي بعدي ، وما من مخلوق إلا وبين عينيه مكتوب مؤمن أو كافر ‹ صفحة 117 › نحن نعرفه ، إذا رأيناه ( 1 ) . ومن ذلك قوله عليه السلام لرميلة وكان قد مرض وأبل وكان من خواص شيعته فقال له : وعكت يا رميلة ، ثم رأيت خفا فأتيت إلى الصلاة ، قال : نعم يا سيدي ، وما أدراك ؟ فقال : يا رميلة ما من مؤمن ولا مؤمنة يمرض إلا مرضنا لمرضه ، ولا حزن إلا حزنا لحزنه ، ولا دعا إلا أمنا على دعائه ، ولا سكت إلا دعونا له ، وما من مؤمن ولا مؤمنة في المشارق والمغارب إلا ونحن معه ( 2 ) .
. . . . . . . . . . .